Monday, May 28, 2007

وأشرقت شمس حياتي.....1

تحركت الشمس في الأفق ،حتى ألقت بظلال الأشجار التي تزين مدخل الحارة إلى منتصف الطريق،استعدادا ليوم جديد،تمر فيه خلال دورتها المعتادة من الشرق إلى الغرب،وكأنها تعلن لسكان الحارة أن حالها كحالهم لن يتغير مهما مر الوقت عليهم.
لم يعرف كم مر من الوقت عليه في جلسته هذه،لكنه يعرف أنه كان يناجى القمر في المساء وها هي الشمس تلقى على وجهه بأشعتها الذهبية،التي تسللت من خلال النافذة ذات الإطارات الحديدية القديمة المميزة لمعظم بيوت الحارة القديمة,فلا تدرى إن كانت كلمة القديمة هذه لتصف الحارة بنفسها ،أم هي تصف حال البيوت التي لم تتغير منذ نشأتها ،أم هي تصف حال الاثنتين معا.أحس أن التفكير أرهقه ،وانه قد استهلك معظم طاقته،لا يدرى من أين سمع أن المجهود العقلي يساوى ضعف المجهود البدني المستهلك في نفس الوقت، ويا ليت انه كان ينفق من تفكيره فقط،لكنه كان يستهلك طاقته النفسية أيضا، والتي يعرف أهميتها باعتباره قد صار طبيبا ،لا يهم إن كان حديث التخرج أم قديمه،لأن هذه الأشياء تدرك لمرة واحدة فقط.حسنٌ، برنامج اليوم ....... إنه لا يدرى ماذا يفعل ، المفروض أن يذهب إلى المستشفى .....حسنٌ لن يذهب وليرى ماذا سيفعلون .....من قال أن أطباء الامتياز تحت المراقبة،.....انه يرى معظم أصدقاءه يرهقون أنفسهم في العمل الخاص ، ولا يأتون إلا لإعلان انصرافهم عن طريق التوقيع في دفتر الانصراف،.......سيقول لإمه إذاً انه لن يذهب اليوم إلى العمل ، لا ..لا .. بالطبع لن يقول انه ظل ساهرا طوال الليل ..... إن لدى أمه من المتاعب ما يكفيها لبداية اليوم ، وهى ليست على استعداد لإضافة همومه إلى همومها.هو يعرف أنها على استعداد أن تفعل ذلك عن طيب خاطر، ونفس راضية لكنه كان يريد أن يساعدها في عملها ،لطالما فعل ...وهو يخفى آلامه المستمرة.....واحباطاته المتوالية.... كان يدرك أن أمه تكدح من اجل توفير ما يحتاجه مع أخيه الأصغر....خاصة بعد وفاة والده منذ مده طويلة تسبق دخوله إلى درة الكليات....كلية الطب...لقد تحمل وحده منذ زمن طويل ما اختاره لنفسه من متاعب وصعوبات....... نفسيه.......عاطفية....جسمانية..... أدرك منذ البداية أن لكل واحد منهما طريق....هو وأمه بالطبع....هي توفر له احتياجاته .... أو تحاول .... في مقابل عدم إرهاقها بما يحدث له ....إن الأم تملك بالتأكيد ما يكفى من المتاعب حين تعمل كخياطه في مشغل للحياكة.وقف ليخبر أمه انه لن يذهب هذا اليوم إلى المستشفى ..... توقف فجأة ... ماذا تعنى كلمة صعوبات ؟....وهل واجهته صعوبات بالفعل .... ابتسم عند وصوله إلى هذه النقطة........ ابتسامه خفيفة ذابت في ملامحه بسرعة وكأنه يعلن اعتذاره عن هذه الابتسامة ........صعوبات........صعوبات؟........من يحكى ومن يقول ؟.....لم يشاركه أحد مشاعره هذه قط ....حتى جمال صديقه الوحيد الذي زامله منذ أيام الكلية الأولى ..... هو أيضا لا يعرف ما مر عليه من صعوبات .... وما تحمله قلبه من انكسارات ....... كأنه لايشعر به.....هو من طبقه ... والآخر من طبقه أخرى.. هذا مستهتر ..... الآخر رجل بكل ما تحمل الكلمة من معان.......صعوبات ؟....... لا يدرى لماذا بدت له الكلمة سخيفة إلى هذا الحد ..... ولكن ماذا يحدث؟........ انه حتى لايقدر أن يبوح بمشاعره لنفسه ...يا للعجب؟......... ربما لو كانت هي معه الآن ... لباح لها بكل ما في صدره من آلام......... ولكن أذهبت ولن تعود؟...... لا يدرى ........ لقد صار كانسان بلا ظل ..عقل بلا منطق.. الشئ الوحيد الذي بقى في كيانه كإنسان هو آلامه.وقف ليخبر أمه أنه لن يذهب هذا اليوم للمستشفى .......رمى جسده مره أخرى إلى السرير الدافئ .....يفكر في حياته.......يرى بعيني عقله كفاحه في سبيل سهل الله به طريقا إلى الجنة...... سبيل العلم .....تذكر نفسه وهو يسير من بيته إلى الكلية ليستطيع توفير بضعة جنيهات تساعده على إكمال الشهر .......أربعة كيلو مترات يقطعها صباحا .........ويمشيها مساءاً...ولم تكن النقود تكفى أيضا ....آه.... حسنٌ من قال أن هذه صعوبات؟........جلوسه بين زملائه وقد ارتدى هذا أحسن ما اشتراه أمس من أحسن محلات الحي الراقي....وهذا وقد ارتدى ثوبا بما يمكن أن يدفعه لنفسه في عام كامل ....حسنٌ من قال أن هذه صعوبات؟......حاجته للكتب الخاصة والأدوات العلمية وأشياء أخرى كانت لتساعده ..........حسنٌ من يجرؤ على اعتبارهذه صعوبات؟ .وقف ليخبر أمه انه لن يذهب هذا اليوم إلى المستشفى ....في هذه المرة انطلق صوت أمه يشق سماء حجرته:-"مدحت؟".ثم أكملت في فرحة :-"جمال صديقك هنا....موعد العمل يا بني ".رد هو في خفوت لم يبلغ مسامع أمه:- "ادخليه يا أمى ".على الباب وقفت الأم وهى تكلم (جمال).... الصديق الوحيد لابنها الذي زهد معرفة الناس....كانت تجاهد لإبقاء دموعها داخل مقلتيها لكنها عجزت عن ذلك .... فتركتها تنزل في صمت....قالت :-"ادخل يابنى..... لنر ماذا دهاه؟....هو يعتقد أننى لا أشعر به..... ليته يخبرني ولسوف يريحني ويريح نفسه".ولم تعد تقاوم فانطلقت دموعها في صمت وعادت لتكمل ما بدأت من عمل المنزل.دخل جمال إلى الحجرة .....لم تكن أول مرة ..... مسحها بعينه مثل كل مرة.... لم يجد فيها ما تغير....السرير الصغير..... المنضدة التي يذاكر عليها صديقه ....خزانة صغيرة للملابس لا تجد أصلا ما يملأها .....هذا كل شئ ....آه...معذرة هناك سجادة صغيرة بالية تتوسط الحجرة .....هذا إذا تم اعتبارها سجادة أصلا.توقفت عينه عند مدحت فأشار إليه أن أغلق الباب،فأغلقه(جمال)...و كأنه أعطى إشارة البدء...البدء لماذا؟....بالطبع للبكاء... انطلق (مدحت) في بكاء رهيب, وكان هذا يعنى بالنسبة لجمال معناً واحدا.... أن مدحت قد فعل الشيء الذي توقعه له منذ بدايه علاقتهما...الانهيار

1 comment:

الجعرّ و أبورمّانة said...

أبورمّانة :
أكثر من رائع .. هنيئا لك مدونتك الرائعة .. وهنيئا لنا اسلوبك السلس الاكثر من رائع