Monday, May 28, 2007

لقد مات


تحرك المسعفون بسرعة كبيرة وهم يدفعون ذلك الفراش المتحرك إلى داخل المصعد الكهربائى فى ذلك المستشفى الجامعى المخصص للطوارىء ,وتبعهم الى الداخل نائب الباطنة الذى لم يتجاوز عامه الثانى فى النيابة بعد, كان الفراش يحمل احد المصابين فى حالة خطيرة وكان يصطحب الفراش شاب فى عامه الثانى والعشرين, يبدو عليه الذهول وعدم التصديق, طبعا اذا افترضنا ان الخوف شيء مسلم به فى هذه الظروف.

نظر كبير المسعفين الى الشاب وقال:"ممنوع الدخول يااستاذ", فرد الشاب:"انا طبيب" ,سكت الرجل وقد بدا عليه الفهم ومع ذلك نظر الى طبيب الباطنة الذى اشار اليه بتجاوز الامر , اغلق باب المصعد ثم فتحت الابواب مرة اخرى عندما استقر فى الطابق الثالث حيث حجرات العناية المركزة الجديدة, ثم قال الطبيب :"هيا , تحركوا",فانطلق الجميع باقصى سرعة الىالداخل , ثم نقلوا المصاب الى احد الاسرة الخالية ,وعلى الفور تحرك المسعفون بالفراش المتحرك الخالى الى خارج الحجرة ايذانا بانتهاء عملهم, وبدات الممرضات فى تركيب الاجهزة الكهربية التى تحافظ على النبض والتنفس وبدأ الجميع فى القيام بما يجب عليهم.

وقف الشاب يراقب ما يحدث فى ذهول,حتى دخلت طبيبة شابة يبدو عليها انها تقضى سنة الامتياز فى هذا المستشفى, قالت بلهجة مرحة"كيف هى الحالة يادكتور شريف؟",رد الطبيب الباطنى فى سرعة وهو يعالج بعض الاجهزة:"حالة تصادم فى الطريق السريع انتهت بهم السيارة الى احد المصارف المجاورة للطريق "ثم اكمل فى اسف:"الشكلة هى انه فقد الوعى فابتلع كمية كبيرة من المياه التى تراكمت فى الرئتين وضغطت بدورها على القلب, فتوقف لفترة" ثم استطرد فى حزن:"سنكون محظوظين لو كتبت له النجاة".

سمع الشاب هذا الكلام فتهاوى على اقرب مقعد اليه , غير مصدق لكل ما يحدث حوله, وهو يفكر بخاله الراقد امامه على الفراش فى وضع الصدمة تقريبا , وكل من حوله يحقنوه بشتى انواع الادوية, كان يعرف كل هذه الادوية بل وربما اعطاها الاخرين قبل ذلك ,لكنه وجد نفسه لا يستطيع التفكير ولا الحركة.

سادت حلاة من الهدوء فى الغرفة بعدما استقرت الامور قليلا ,ثم ما لبث جهاز القلب ان دق فى رنين متصل , معلنا حالة توقف القلب وعلى الفور دبت عاصفة من الحركة فى الغرفةالكبيرة مع انطلاق صوت الطبيب :"ادرينالين..بسرعة" ,تم الحقن بسرعة كبيرة,ثم تم استدعاء جهاز الصدمات الكهربية ,ومع ذلك أبى القلب الذى تحمل طول الحياة , رفض العودة , رفض ان يقوم بدوره ولو لدقائق قليلة أخرى.

أطرق الطبيب فى حزن ,ونظر الى الشاب الذى لم يستوعب الموقف وقال :" البقية فى حياتك", لم يصدق الشاب وقام يتحسس النبض فى عنق خاله الراقد امامه , وجلس بجانبه ذاهلا لا يدرى كيف يوصل الخبر الى اقاربه أسفل المستشفى.

قال له الطبيب:"إن ما اضر بهذه الحالة هو عدم التعامل الصحيح معها فى أول مستشفى تم تحويله اليه", ثم استطرد:" مع ذلك فالحذر لا يمنع القدر, وانما هى اسباب وحسب".
وقف الشاب مصدوما ,ثم قال بعد فترة من الصمت:"ان عدم وجود الضمير والاهتمام مع المرضى هو ما تسبب فى ذلك", رد عليه الطبيب :"لا تجعل عدم الاهتمام يزعجك , فسوف تتندر انت واصدقائك ذات يوم على عدد الحالات التى تموت فى أيديكم بل وتتفاخرون بالعدد الاكبر ايضا ".

نظر اليه الشاب وهو حيران, لا يدرى ايحزن على خاله الذى مات ؟ ام يحزن على اخلاقنا وضمائرنا التى ماتت ؟ , لكنه أدرك فى النهاية أن هذه رسالة اليه من الله, لكى يبقى ضميره حيا حتى لو مات جسده, وحتى لو مات كل الناس.

No comments: