Monday, May 28, 2007

وأشرقت شمس حياتى ... 2


آه.....يوم آخر من أيام العمل بالمستشفى...إنها تشبه أيام العمل بالسجن .... حيث لا رحمة على أطباء الامتياز ...المرضى يتوافدون كالسيل......وصوت المذيعة الداخلية تطلب من أحد أطباء الطوارئ الاتجاه لاستقبال إحدى حالات الحوادث....يجرى الفريق المكون من طبيبين وثلاث ممرضات باتجاه الباب.... يتردد صوت المسعفين في لهاث متقطع :

-"حادثه على الطريق السريع... المصابون رجل في السادسة والأربعين وامرأة في الخامسة والثلاثين ....." .
ثم وقف ليلتقط أنفاسه فالتقط زميله طرف الخيط منه:
- " الرجل مصاب بكسر في ثلاثة ضلوع, أما المرأة فمصابة بكسر في قدمها اليمنى فقط وهى في حاله جيده باستثناء إصابتها".

انصرف المسعفون بعد الإدلاء بالتقرير بينما أصبحت الحالتان الآن في ضيافة الطاقم الشاب الذي سرعان ما بدأ العمل ، رفع (أمجد) عينيه إلى زميله (نادر) وقال:
- "ابدأ بتحويل السيدة إلى غرفة العظام وبعدها تعال لتساعدني من فضلك ".
أشار إليه( نادر) بالموافقة ، ومن ثم انطلق( امجد) لعمل الإسعافات اللازمة لإفاقة المريض أو على الأقل حتى ينجح في تقليل الخطورة عند هذا الحد ... فقد كانت معدلاته الحيوية في طريقها إلى الانهيار ، ولكن للعناية الإلهية فقد أرسله القدر إلى( امجد) و(نادر) معا .
كان الاثنان رغم كونهما في سنه الامتياز, إلا أنهما كونا فريقا رائعا في وحده الطوارئ ، كانت مهارتهما المذهلة في التعامل مع الحالات الطارئة تنبئ بمستقبل باهر لهما لو استمرا في هذا المجال ....أطباء الطوارئ ....ياله من مصطلح ضامر في مصر....لسرعان ما يتحول كل منهما إلى تخصصه الذي سوف يبدع فيه بعد ذلك , فلا يوجد في مصر بالطبع ما يسمى بطب الطوارئ ....انه دوما متروك لأطباء الامتياز وصغار نواب الجراحة والباطنة....أما أن يظل طبيب ما في هذا الفرع طوال حياته في مصرنا العزيزة،.....فهذا ضرب من الجنون ربما حاسبته عليه النقابة وازدراه الزملاء من اجل ذلك.
أفاق (امجد) من تأملاته على صوت (نادر) وهو يسأله:
-" هل أستدعى أحدا ما ؟".
ابتسم (امجد) ابتسامه ساخرة وقال:
- " ولماذا؟".
عندها بدأ (نادر) في اقتسام العمل معه حتى انتهوا من إنقاذ المريض،وتم تحويله إلى قسم الاشعه لإجراء فحوصات أخرى عليه .

تنهد (نادر) في ارتياح ثم انطلق يضحك وهو يقول :
-"من يصدق قدرتنا على التعامل مع هذه الحالات؟ إننا قد صرنا أشهر الطلبة في دفعتنا"
لم يرد (امجد) واكتفى بإشاره خفيفة من رأسه مع تنهيدة تدل على الملل، مع ذلك واصل (نادر):
-"لماذا لا نذهب معا لمشاهده الفيلم الجديد في السينما؟تخيل انه تصدر الترتيب فى الخمسة اسابيع الماضية ".
قال (امجد) في جفاء :
-"لا أريد".
-"لماذا؟".
_- "سل الأوغاد الذين يعطوننا مائتي جنيه فقط في آخر شهر ملئ بالحروب التي نخوضها في هذا المستشفى".
هنا رفع (نادر) عينيه في دهشه وهو يحاول تغيير الموضوع:
-" أتعرف...لقد أهدانى أبى أمس سيارة جديدة فاضطررت أن أعطى سيارتي القديمة لأخى الصغير".
ثم سكت لحظه وأكمل:
-"تخيل لقد كنت أحبها كثيرا".
لم يرد (امجد) وإن لم يومئ برأسه أيضا...فواصل نادر كلامه في إلحاح غريب:
- "هيا يا امجد ...... لماذا لا تذهب معي إلى السينما غدا؟".
ثم قطع كلامه وهو يشير إلى إحدى الممرضات في آخر الردهة:
-"انظرالى هذه الممرضة اللعوب ... إنها أجمل من بالمستشفى من الممرضات ...لابد أن تقع في يدي في يوم من الأيام"

هنا كان (امجد) قد بلغ ذروته فامسك بتلابيبه وقال:
-" اسمع أيها الوغد.... كوننا نشكل فريقا واحدا لا يعنى بالضرورة أن نكون أصدقاء.....لذلك كف عن محاولتك لاكتساب صداقتي فلن يظفر بها طفل مدلل مثلك, أنت تفهم ؟..... أليس كذلك؟... جيد لأننى لن اكرر هذا الكلام مره أخرى".
ثم تركه في هذه الحالة من الذهول وانطلق لاستقبال حاله أخرى من حالات الحوادث ، فى حين كان صوت المذيعة الداخلية يتردد في جنيات المستشفى ،لكنه كان يصل لنادر وكأنه من أعماق بئر سحيقة ،وكأنه من بعيد .... بعيد .....بعيد


2 comments:

inspector said...

قالوا فى الامثال لا تسمع لطالب الطب ولا تاخد منه نصيحة ربك لو بيحبه كان سابله راسه صحيحة

مطرح ما ترسى....دقلها said...

ماشى ممكن نتفاهم فى الحكاية دى بعدين