Friday, March 26, 2010

عن التأمين الصحى ...نتحدث

منذ ان استطعت الخروج من دوامة العمل فى شركات الادوية ذات الربح السريع ,ركزت مجهودى الى أقصى حد فى بعثرة الأوراق النقدية التى ساهمت داخليا مع نفسى على مدار مايقرب من عام فى ادخارها ,ابتداءا من السفر والرحلات وحتى مطاعم الوجبات السريعة التى امتنعت عن دخولها فترة طويلة ...

كان كل همى هو العثور على شركة جديدة لأبقى فيها بضعة أشهر على غرار الشركة الأخرى وهكذا دواليك أخرج من شركة إلى شركة أخرى ..ليس العيب فى ذلك هو اسلوب عملى وانما هو مالم استطع فهمه طوال عملى هناك ,إذ تقوم شركات الادوية على تغيير موظفيها دوريا بطريقة تصل الى حد الاصرار على ذلك واحيانا الى الرفد التام فقط ليبحث المندوب عن شركة أخرى وتبحث الشركة عن مندوب اخر كان يعمل لشركة أخرى وتم رفده بنفس الطريقة , مجرد تبادل فى الكراسى الموسيقية أو الادارية لا أكثر ...

ثم خطر لى خاطر أن أصبح أكثر احتراما لنفسى وأتعلم ما لابد منه لى فى مرحلة قادمة , ممارسة الطب البشرى-فيما بعد عرفت أنه لا وجود تقريبا لما يسمى بهذا الاسم فى مصر وانما هو التهليب البشرى- على كل حال بعدما بدأت التواجد بصفة مستمرة فى المستشفيات العامة والجامعية ,تمزق قلبى ..وأصبت بصدمات نفسية كثيرة بسبب طريقة العلاج والمعاملة فى المستشفيات..للحق فإن بعض المرضى يستحقون ذلك بشدة..

إن النظام الطبى في مصر فاشل الى حد مروع.. الى درجة تبعث الخوف فى نفوس الاطباء ويدفعهم الى اتخاذ كل الحيطة والحذر لجمع أكبر مبلغ من المال فى حياتهم المهنية من أجل الرعاية الصحية ومن أجل أغراض أخرى ايضا كالذهاب الى مارينا وشراء البى إم والعقارات التى تدير رؤوس من يشاهدونها فورا..

وجدت نفسى احلم بنظام اخر من الرعاية الصحية أو التأمين الصحى فى بلاد أخرى,ربما الولايات المتحدة ذات الصيت العالمى , وعلى غير العادة أجد حلمى قد تحقق وأشاهد فورا برنامجا أمريكيا يناقش أحوال الرعاية الصحية فى أمريكا ثم يقارنها بأوروبا وكندا وحتى كوبا...

بدأ البرنامج بتقارير عديدة منها عرض لحالة رجل أسود متزوج بامراة شقراء تحبه الى اقصى درجة لنقل ان الامر يصل إلى حد العشق والهوى..كان مريضا بسرطان العظام ولابد من نقل نخاع العظام له حتى يشفى بشكل كامل ..قدر الاطباء حالته على انه سينهار خلال اربعين يوما ..لست فى حاجة لشرح كيف هبط الخبر كصاعقة على الاسرة السعيدة التى تملك ابنا يلعب وحيدا بسنواته التسعة الجميلة..

كان امامه احتمالين الاول ان يدفع لمتبرع مبلغا كبيرا من المال والثانى أن يجد بنفسه متبرعا ليعطى له نخاعه بدون مقابل , هذا بدون أن ننسى المبلغ الكبير الذى سيدفعه فى المستشفى ..

بالطبع بدأت عائلة الرجل حالة من الطوارئ للبحث عن متبرع من العائلة ..تم فحص العائلة بأسرها ليجدوا ان الاخ الاصغر له يطابقه مطابقة مذهلة ..ولما تكن هذه مشكلة لأن العائلة مترابطة فقد قبل الاخ عن طيب خاطر أن يكون متبرعا لأخيه الاكبر ..وبما أن الرجل يمتلك تأمينا صحيا فقد عمت السعادة الاسرة لأنه بذلك لم يتبق الا أن يحدد الاطباء ميعاد العملية وتدفع التكاليف شركة التأمين ويخرج الرجل ليمارس حياته السعيدة مع زوجته صارخة الجمال وابنه اللطيف ذي الخدود ..

تقوم فكرة التأمين الصحى فى أمريكا على شركات التأمين ..لنقل بطريقة مبسطة انك تدفع مبلغا من المال طبقا لشرائح معينة ويتم معالجتك وفقا لهذه الشرائح على أساس ماتحتاجه من استشارات طبية وعمليات جراحية وحتى الاجراءات الطبية البسيطة ..

ذهب الرجل وزوجته إلى اللجنة المخصصة لذلك والتى ترأسها طبيبة من المستشفى وتضم فى عضويتها مجموعة من اطباء المستشفى بالاضافة الى ممثلى شركة التأمين ..و خرج القرار النهائى برفض إجراء العملية لأن ....عدد من الاسباب غير المفهومة... وأن اللجنة تواسى الأسرة وتتمنى لها التوفيق فيما بعد مع أسمى آيات التعاطف والحزن..

لست فى حاجة للقول أن الرجل مات فعلا بسبب هذا التعاطف والحزن بعد أن استنفذ هو وزوجته كل القضايا والشكاوى والبكاء ليلا فى دورات المياه وحلقات الاكتئاب والمواساة وتجريب كل شيء..كل شي بمعنى الكلمة..

انتهت هذه القصة ولكن هل تذكرون الطبيبة التى رأست لجنة رفض العملية؟؟ ظهرت بعدها بعدة سنوات وذهبت الى الكونجرس لتعلن متأخرة انها نادمة على العديد من القرارات التى اتخذتها لصالح شركات التأمين وتعلن عن الفساد الادارى وأنها بسبب هذه القرارات الفاسدة التى وفرت على شركات التأمين ملايين الدولارات قد انتقلت بعدها للعمل بأحدى هذه الشركات التى تكون عصابة فيما بينها ..فقط ليرتفع دخلها السنوى من مائة ألف دولار إلى مليون دولار سنويا.. وتعلن أنها نادمة على ذلك وترجو من كل المرضى الذين خذلتهم أن يسامحوها وأنها مستعدة لكل ما سيتخذ بحقها من الاجراءات..

بكيت لذلك وبكى جون مقدم البرنامج ثم قررت أن أخلد الى النوم وقرر جون أن يذهب الى بلاد اخرى ليقارن حال الرعاية الصحية فى بلاده بتلك البلاد.. ولأننى لا أفعل شيئا بحياتى سوى الانقياد للآخرين فقد قررت البقاء مع جون فى رحلته التى استمرت لمدة ثلاث ساعات على التلفزيون وثلاثة شهور فى الحقيقة..

فيما بعد عرف جون أن الولايات المتحدة تقع فى المرتبة السابعة والثلاثون عالميا من ناحية الرعاية الصحية..وأن فرصة حياة طفل يولد فى السلفادور مرتفعة عن فرصة حياة طفل يولد فى ديترويت عاصمة شركات السيارات الكبرى..

و .. ربما نكمل فى المرة القادمة.. أقول ...ربما...